فصل: صَرْفُ اللّهِ نَظَرَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.نَصْرُ اللّهِ رَسُولَهُ يَوْمَ أُحُدٍ:

وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مَا نُصِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَوْطِنٍ نَصْرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ يُنْكِرُ كِتَابُ اللّهِ إنّ اللّهَ يَقُولُ {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عِمْرَانَ 152] قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وَالْحِسّ الْقَتْلُ وَلَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلِأَصْحَابِهِ أَوّلَ النّهَارِ حَتّى قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أَوْ تِسْعَة وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

.النّعَاسُ فِي أُحُدٍ:

وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِمْ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالنّعَاسُ فِي الْحَرْبِ وَعِنْدَ الْخَوْفِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَمْنِ وَهُوَ مِنْ اللّهِ وَفِي الصّلَاةِ وَمَجَالِسِ الذّكْرِ وَالْعِلْمِ مِنْ الشّيْطَانِ.

.دِفَاعُ مَلَكَيْنِ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَقَاتَلَتْ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفِي الصّحِيحَيْنِ: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَشَدّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ.

.دِفَاعُ سَبْعَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمّا رَهِقُوهُ قَالَ مَنْ يَرُدّهُمْ عَنّا وَلَهُ الْجَنّةُ أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ فَتَقَدّمَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَى قُتِلَ ثُمّ رَهِقُوهُ فَقَالَ مَنْ يَرُدّهُمْ عَنّا وَلَهُ الْجَنّةُ أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ فَتَقَدّمَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَى قُتِلَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى قُتِلَ السّبْعَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا وَهَذَا يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ بِسُكُونِ وَوَجْهُ النّصْبِ أَنّ الْأَنْصَارَ لَمّا خَرَجُوا لِلْقِتَالِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتّى قُتِلُوا وَلَمْ يَخْرُجْ الْقُرَشِيّانِ قَالَ ذَلِكَ أَيْ مَا أَنْصَفَتْ قُرَيْشٌ الْأَنْصَارَ. وَوَجْهُ الرّفْعِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَصْحَابِ الّذِينَ فَرّوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أُفْرِدَ فِي النّفَرِ الْقَلِيلِ فَقُتِلُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَلَمْ يُنْصِفُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ.

.دِفَاعُ طَلْحَةَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَزْعُ أَبِي عُبَيْدَةَ حَلْقَةَ الْمِغْفَرِ مِنْ جَبِينِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبّانَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ: لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْصَرَفَ النّاسُ كُلّهُمْ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكُنْتُ أَوّلَ مَنْ فَاءَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَأَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلًا يُقَاتِلُ عَنْهُ وَيَحْمِيهِ قُلْتُ كُنْ طَلْحَةَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي كُنْ طَلْحَةَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي. فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ أَدْرَكَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ وَإِذَا هُوَ يَشْتَدّ كَأَنّهُ طَيْرٌ حَتّى لَحِقَنِي فَدَفَعْنَا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا طَلْحَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَرِيعًا فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دُونَكُمْ أَخَاكُمْ فَقَدْ أوجب وقد رُمِيَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي جَبِينِهِ وَرُوِيَ فِي وَجْنَتِهِ حَتَى غَابَتْ حَلْقَةٌ مِنْ حَلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَتِهِ فَذَهَبْتُ لِأَنْزِعَهَا عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ نَشَدْتُك بِاَللّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ إلّا تَرَكْتنِي؟ قَالَ فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ السّهْمَ بِفِيهِ فَجَعَلَ يُنَضْنِضُهُ كَرَاهَةَ أَنْ يُؤْذِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ اسْتَلّ السّهْمَ بِفِيهِ فَنَدَرَتْ ثَنِيّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ثُمّ ذَهَبْتُ لِآخُذَ الْآخَرَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ نَشَدْتُكَ بِاَللّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ إلّا تَرَكْتِنِي؟ قَالَ فَأَخَذَهُ فَجَعَلَ يُنَضْنِضُهُ حَتَى اسْتَلّهُ فَنَدَرَتْ ثَنِيّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ الْأُخْرَى ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دُونَكُمْ أَخَاكُمْ فَقَدْ أَوْجَبَ قَالَ فَأَقْبَلْنَا عَلَى طَلْحَةَ نُعَالِجُهُ وَقَدْ أَصَابَتْهُ بِضْعَةَ عَشَرَ ضَرْبَةً.

.سَهْمٌ سَعْدٍ:

وَفِي مَغَازِي الْأُمَوِيّ: أَنّ الْمُشْرِكِينَ صَعِدُوا عَلَى الْجَبَلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَعْدٍ اُجْنُبْهُمْ يَقُولُ اُرْدُدْهُمْ. فَقَالَ كَيْفَ أَجْنُبُهُمْ وَحْدِي؟ فَقَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَأَخَذَ سَعْدٌ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَرَمَى بِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ قَالَ ثُمّ أَخَذْتُ سَهْمِي أَعْرِفُهُ فَرَمَيْتُ بِهِ آخَرَ فَقَتَلْته ثُمّ أَخَذْتُهُ أَعْرِفُهُ فَرَمَيْتُ بِهِ آخَرَ فَقَتَلْته فَهَبَطُوا مِنْ مَكَانِهِمْ فَقُلْتُ هَذَا سَهْمٌ مُبَارَكٌ فَجَعَلْته فِي كِنَانَتِي فَكَانَ عِنْدَ سَعْدٍ حَتّى مَاتَ ثُمّ كَانَ عِنْدَ بَنِيهِ.

.غَسْلُ عَلِيّ وَفَاطِمَةَ جُرْحَ النّبِيّ:

صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ وَبِمَا دُووِيَ كَانَتْ فَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَغْسِلُهُ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنّ فَلَمّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدّمَ إلّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا فَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدّمُ.

.نُزُولُ قَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}:

وَفِي الصّحِيحِ: أَنّهُ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجّ فِي رَأْسِهِ فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجّوا وَجْهَ نَبِيّهِمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُم فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عِمْرَانَ 128].

.عَدَمُ انْهِزَامِ أَنَسِ بْنِ النّضْرِ عِنْدَمَا انْهَزَمَ النّاسُ:

وَلَمّا انْهَزَمَ النّاسُ لَمْ يَنْهَزِمْ أَنَسُ بْنُ النّضْرِ. وَقَالَ اللّهُمّ إنّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ وَأَبْرَأُ إلَيْكَ مِمّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ ثُمّ تَقَدّمَ فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ أَيْنَ يَا أَبَا عُمَرَ؟ فَقَالَ أَنَسٌ وَاهَا لِرِيحِ الْجَنّةِ يَا سَعْدُ إنّي أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ ثُمّ مَضَى فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ فَمَا عُرِفَ حَتّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ أَوّلَ النّهَارِ كَمَا تَقَدّمَ فَصَرَخَ فِيهِمْ إبْلِيسُ أَيْ عِبَادَ اللّهِ أَخْزَاكُمْ اللّهُ فَارْجِعُوا مِنْ الْهَزِيمَةِ فَاجْتَلِدُوا.

.قَتْلُ الْمُسْلِمِينَ وَالِدَ حُذَيْفَةَ وَهُمْ يَظُنّونَهُ مُشْرِكًا:

وَنَظَرَ حُذَيْفَةُ إلَى أَبِيهِ وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ وَهُمْ يَظُنّونَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ أَيْ عِبَادَ اللّهِ أَبِي فَلَمْ يَفْهَمُوا قَوْلَهُ حَتّى قَتَلُوهُ فَقَالَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدِيَهُ فَقَالَ قَدْ تَصَدّقْتُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَزَادَ ذَلِكَ حُذَيْفَةَ خَيْرًا عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم.

.إقْرَاؤُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّلَامَ لِسَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ وَهُوَ بَيْنَ الْقَتْلَى:

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ أَطْلُبُ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ فَقَالَ لِي: إنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُ يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ فَجَعَلْتُ أَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى فَأَتَيْته وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ وَفِيهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ فَقُلْت: يَا سَعْدُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السّلَامَ وَيَقُولُ لَك: أَخْبِرْنِي كَيْفَ تَجِدُكَ؟ فَقَالَ وَعَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّلَامُ قُلْ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَجِدُ رِيحَ الْجَنّةِ وَقُلْ لِقَوْمِيَ الْأَنْصَارِ: لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ إنْ خُلِصَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ وَفَاضَتْ نَفْسُهُ مِنْ وَقْتِه.

.نُزُولُ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ}:

وَمَرّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَشَحّطُ فِي دَمِهِ فَقَالَ يَا فُلَانُ أَشَعَرْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ إنْ كَانَ مُحَمّدٌ قَدْ قُتِلَ فَقَدْ بَلّغَ فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ فَنَزَلَ {وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ} الْآيَةُ [آل عِمْرَانَ 142].

.تَعْبِيرُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُؤْيَا وَالِدِ جَابِرٍ بِالشّهَادَةِ:

وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو بْن حَرَامٍ: رَأَيْتُ فِي النّوْمِ قَبْلَ أُحُدٍ مُبَشّرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ يَقُولُ لِي: أَنْتَ قَادِمٌ عَلَيْنَا فِي أَيّامٍ فَقُلْتُ وَأَيْنَ أَنْتَ؟ فَقَالَ فِي الْجَنّةِ نَسْرَحُ فِيهَا كَيْفَ نَشَاءُ. قُلْت لَهُ أَلَمْ تُقْتَلْ يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ بَلَى ثُمّ أُحْيِيت فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ هَذِهِ الشّهَادَةُ يَا أَبَا جَابِرٍ.

.دُعَاؤُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِخَيْثَمَةَ بِالشّهَادَةِ:

وَقَالَ خَيْثَمَةُ أَبُو سَعْدٍ وَكَانَ ابْنُهُ اُسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ: لَقَدْ أَخْطَأَتْنِي وَقْعَةُ بَدْرٍ وَكُنْتُ وَاَللّهِ عَلَيْهَا حَرِيصًا حَتّى سَاهَمْتُ ابْنِي فِي الْخُرُوجِ فَخَرَجَ سَهْمُهُ فَرُزِقَ الشّهَادَةَ وَقَدْ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ ابْنِي فِي النّوْمِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ يَسْرَحُ فِي ثِمَارِ الْجَنّةِ وَأَنْهَارِهَا وَيَقُولُ الْحَقْ بِنَا تُرَافِقْنَا فِي الْجَنّةِ فَقَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا وَقَدْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ أَصْبَحْتُ مُشْتَاقًا إلَى مُرَافَقَتِهِ فِي الْجَنّةِ وَقَدْ كَبِرَتْ سِنّي وَرَقّ عَظْمِي وَأَحْبَبْتُ لِقَاءَ رَبّي فَادْعُ اللّهَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يَرْزُقَنِي الشّهَادَةَ وَمُرَافَقَةَ سَعْدٍ فِي الْجَنّةِ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ فَقُتِلَ بِأُحُدٍ شَهِيدًا.

.دُعَاءُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ لِنَفْسِهِ بِالشّهَادَةِ:

وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ اللّهُمّ إنّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ أَلْقَى الْعَدُوّ غَدًا فَيَقْتُلُونِي ثُمّ يَبْقُرُوا بَطْنِي وَيَجْدَعُوا أَنْفِي وَأُذُنِي ثُمّ تَسْأَلُنِي: فِيمَ ذَلِكَ فَأَقُولُ فِيكَ.

.اسْتِشْهَادُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ:

وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ بَنِينَ شَبَابٌ يَغْزُونَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا غَزَا فَلَمّا تَوَجّهَ إلَى أُحُدٍ أَرَادَ أَنْ يَتَوَجّهَ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ بَنُوهُ إنّ اللّهَ قَدْ جَعَلَ لَك رُخْصَةً فَلَوْ قَعَدْتَ وَنَحْنُ نَكْفِيك وَقَدْ وَضَعَ اللّهُ عَنْكَ الْجِهَادَ. فَأَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بَنِيّ هَؤُلَاءِ يَمْنَعُونِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَك وَوَاللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَسْتَشْهِدَ فَأَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا أَنْت فَقَدْ وَضَعَ اللّهُ عَنْكَ الْجِهَادَ وَقَالَ لِبَنِيهِ وَمَاَلَيْكُمْ أَنْ تَدَعُوهُ لَعَلّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَنْ يَرْزُقَهُ الشّهَادَة فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا.

.أَنَسُ بْنُ النّضْرِ وَقِتَالُهُ:

وَانْتَهَى أَنَسُ بْنُ النّضْرِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ مَا يُجْلِسُكُمْ؟ فَقَالُوا: قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ فَقُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ.

.طَعْنُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُبَيّ بْنَ خَلَفٍ بِحَرْبَةٍ:

وَأَقْبَلَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ عَدُوّ اللّهِ وَهُوَ مُقَنّعٌ فِي الْحَدِيدِ يَقُولُ لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا مُحَمّدٌ وَكَانَ حَلَفَ بِمَكّةَ أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَقُتِلَ مُصْعَبٌ وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَرْقُوَةَ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الدّرْعِ وَالْبَيْضَةِ فَطَعَنَهُ بِحَرْبَتِهِ فَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ فَاحْتَمَلَهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ يَخُورُ خُوَارَ الثّوْرِ فَقَالُوا: مَا أَجْزَعَك؟ إنّمَا هُوَ خَدْشٌ فَذَكَرَ لَهُمْ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى فَمَاتَ بِرَابِغٍ.

.رُؤْيَةُ ابْنِ عُمَرَ أُبَيّ بْنَ خَلَفٍ:

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنّي لَأَسِيرُ بِبَطْنِ رَابِغٍ بَعْدَ هُوَيّ مِنْ اللّيْلِ إذَا نَارٌ تَأَجّجُ لِي فَيَمّمْتهَا وَإِذَا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا فِي سِلْسِلَةٍ يَجْتَذِبُهَا يَصِيحُ الْعَطَشَ وَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ لَا تَسْقِهِ هَذَا قَتِيلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا أُبَيّ بْنُ خَلَف.

.صَرْفُ اللّهِ نَظَرَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَقَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُ شَهِدْتُ أُحُدًا فَنَظَرْتُ إلَى النّبْلِ يَأْتِي مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَطُهَا كُلّ ذَلِكَ يُصْرَفُ عَنْهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ دُلّونِي عَلَى مُحَمّدٍ لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِهِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ ثُمّ جَاوَزَهُ فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِكَ صَفْوَانُ فَقَالَ وَاَللّهِ مَا رَأَيْته أَحْلِفُ بِاَللّهِ إنّهُ مِنّا مَمْنُوعٌ فَخَرَجْنَا أَرْبَعَةً فَتَعَاهَدْنَا وَتَعَاقَدْنَا عَلَى قَتْلِهِ فَلَمْ نَخْلُصْ إلَى ذَلِكَ.

.مَصّ مَالِكٍ وَالِدِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ جُرْحَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَلَمّا مَصّ مَالِكٌ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ جُرْحَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَنْقَاهُ قَالَ لَهُ مُجّهُ قَالَ وَاَللّهِ لَا أَمُجّهُ أَبَدًا ثُمّ أَدْبَرَ. فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ فَلْيَنْظُرْ إلَى هَذَا.

.يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمُ تَمْحِيصٍ:

قَالَ الزّهْرِيّ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ وَغَيْرُهُمْ كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ اخْتَبَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَظْهَرَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ مِمّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ فَأَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ فَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ سِتّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ أَوّلُهَا: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عِمْرَانَ 121] إلَى آخِرِ الْقِصّةِ.

.فَصْلٌ فِيمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْغَزَاةُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْفِقْهِ:

.الْجِهَادُ يَلْزَمُ بِالشّرُوعِ فِيهِ:

مِنْهَا: أَنّ الْجِهَادَ يَلْزَمُ بِالشّرُوعِ فِيهِ حَتّى إنّ مَنْ لَبِسَ لَامَتَهُ وَشَرَعَ فِي أَسْبَابِهِ وَتَأَهّبَ لِلْخُرُوجِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْخُرُوجِ حَتّى يُقَاتِلَ عَدُوّهُ وَمِنْهَا: أَنّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا طَرَقَهُمْ عَدُوّهُمْ فِي دِيَارِهِمْ الْخُرُوجُ إلَيْهِ بَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا دِيَارَهُمْ وَيُقَاتِلُوهُمْ فِيهَا إذَا كَانَ ذَلِكَ أَنْصَرَ لَهُمْ عَلَى عَدُوّهِمْ كَمَا أَشَارَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ أُحُدٍ. وَمِنْهَا: جَوَازُ سُلُوكِ الْإِمَامِ بِالْعَسْكَرِ فِي بَعْضِ أَمْلَاكِ رَعِيّتِهِ إذَا صَادَفَ ذَلِكَ طَرِيقَهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ. وَمِنْهَا: أَنّهُ لَا يَأْذَنُ لِمَنْ لَا يُطِيقُ الْقِتَالَ مِنْ الصّبْيَانِ غَيْرِ الْبَالِغِينَ بَلْ يَرُدّهُمْ إذَا خَرَجُوا كَمَا رَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ابْنَ عُمَرَ وَمَنْ مَعَهُ. وَمِنْهَا: جَوَازُ الْغَزْوِ بِالنّسَاءِ وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِنّ فِي الْجِهَادِ. وَمِنْهَا: جَوَازُ الِانْغِمَاسِ فِي الْعَدُوّ كَمَا انْغَمَسَ أَنَسُ بْنُ النّضْرِ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا: أَنّ الْإِمَامَ إذَا أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ صَلّى بِهِمْ قَاعِدًا وَصَلّوْا وَرَاءَهُ قُعُودًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَاسْتَمَرّتْ عَلَى ذَلِكَ سُنّتُهُ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ.